الجمعة, مايو 17, 2024
الرئيسيةإقتصادماذا يعني توقّف المصارف المراسِلة عن التعامل مع لبنان وما دلالة تصنيف...

ماذا يعني توقّف المصارف المراسِلة عن التعامل مع لبنان وما دلالة تصنيف “موديز”؟

كتبت فرح نصور في “النهار”:

مع استمرار المأزق الحكومي الراهن، إلى جانب الأزمة الاقتصادية المستفحِلة، يشهد لبنان تدهوراً سريعاً آخر معالمه توقّف معظم ال#مصارف المراسِلة علاقتها مع المصرف المركزي في لبنان. وفي حين لا يزال مصرف “جي بي مورغان” يتعامل مع المركزي لتنفيذ التحويلات لاستيراد الفيول، حذّرت وكالة “موديز” من أنّ “فقدان لبنان علاقات المراسَلة المصرفية سيسرّع من تراجعه الاقتصادي”.

نسأل في هذا الإطار، ماذا يعني توقّف المصارف المراسِلة عن التعامل مع لبنان؟ ما دلالة هذا التصنيف الجديد؟ وما هي تداعيات توقّف هذا التعامل على التحويلات المالية والاستيراد والتصدير، لا سيما التجارة والسياحة اللتين يقوم عليهما الاقتصاد؟ وهل من خطوات ممكنة لإعادة ترميم ثقة المصارف المراسِلة بلبنان؟

عوامل كثيرة تقف وراء فقدان هذه الثقة، دفعت بغالبية المصارف المراسِلة إلى توقّف تعاملها مع لبنان، منها شحّ احتياطي المركزي بالعملة الأجنبية، وغياب المصداقية، والتلكّؤ بملف التدقيق الجنائي، وغيرها من العوامل التي يستعرضها، الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي، البرفسور روك-أنطوان مهنا، في حديث لـ “النهار”، متناولاً ممارسات السلطة والاعتباطية بالتعاطي السياسي، التي تعزّز من ضرب الثقة بالمصرف المركزي والنظام المصرفي فضلاً عن المشهدية القضائية مؤخراًّ والتي أعطت مؤشرات سلبية لمؤسسات التصنيف العالمية وللمصارف المراسِلة وللمجتمع المالي الدولي أدّت إلى عدم وضع الثقة في النظام المالي والمصرفي وإلى التسريع في الانهيار الاقتصادي وتسريع قطع العلاقة من قِبل المصارف المراسِلة المتبقّية مع المركزي والمصارف.

فأي مصرف مراسِل سيرغب بالمخاطرة بعدم تحصيل أمواله في بلدٍ يشهد أزمة اقتصادية ونقدية ومالية غير مسبوقة. فحتى المصارف المراسِلة التي لا زالت تتعامل مع لبنان، خفّفت من تعاملها مع المركزي، ومن المتوقّع أن تتوقّف مصارف مراسِلة إضافية بعد عن التعامل مع لبنان.

ومن المؤشرات الأساسية التي يعتمدها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للنظام المصرفي والمالي والنقدي بشكل خاصٍ ما يُسمى بال rule of law، وهو القانون الذي يحمي المودعين، والذي فقد مصداقيته، بحسب ما يشرح مهنا، من جراء ممارسات على مستويات عدة، وخصوصاً مع ما جرى مع شركة “مكتّف” المصرفية التي لها علاقات مع مصارف مراسِلة والبنك الفدرالي الأميركي.

لا شكّ في أنّ تداعيات توقّف المصارف المراسِلة مع لبنان وخيمة وكارثية. فهي عامل جديد يخنق الاقتصاد. فمن حيث التجارة، يضرب التحويلات التي لن يتمكّن الأفراد من إجرائها من لبنان. وبذلك، يقول مهنا إنّ “لبنان ينفصل عن المنظومة المالية الدولية، ولا يمكن فتح اعتمادات مع مصارف خارجية، ويصبح الاستيراد بالشنطة أي تروج “تجارة الشنطة” كما في اليمن والصومال”.

والحديث عن “تجارة الشنطة” يعني تبيض الأموال والتزوير والتهريب وبروز السوق السوداء وزيادة في كلفة النقل. وفي هذا الإطار، تغيب النوعية الجيدة للسلع الغذائية والدوائية وغيرها، وتغيب بضائع مستورَدة بشكل كبير، لا سيما المواد الأولية للصناعة، وترتفع كلفة الإنتاج ونشهد تضخماً إضافياً بالأسعار.

وسيؤثّر غياب التحويلات على سعر صرف ال#دولار بطبيعة الحال. ففقدان الدولار من السوق سيرفع سعر صرفه حتماً بارتفاع الطلب عليه، وسترتفع كلفة شحن الدولار وكلفة تأمين النقد الأجنبي، وسيستغرق وقتاً أطول. كما ترتفع كلفة التحويلات المصرفية وتغيب الاعتمادات، فأي تأخير بالشحن يزيد من سعر السلع، وكذلك تغيب الضمانات التي كانت توفّرها المصارف المراسِلة لاستلام بضائع ذات نوعية، ولن ترضى بالدفع إلا نقداً.

أمّا من حيث السياحة، وهي شريان تجاري اقتصادي حيوي، يؤدي توقّف التحويلات إلى ضربها، ما يؤدّي إلى غياب إضافي للسياح الذين لن يتمكّنوا من الدفع عبر البطاقات المصرفية ولا التحويل، إذ أصبحنا في عصر العملة الرقمية والبطاقات المصرفية.

فالانصهار في المنظومة المالية الدولية شكّلت أساساً للانفتاح على العالم. ناهيك عن التحويلات التي تأتي إلى اللبنانيين من الخارج، والتي تشكّل رافعة لهم في هذه الظروف، وهي أساسية وغيابها مضرّ للاقتصاد اللبناني كونها كانت تغطي عجز ميزان المدفوعات، إذ قُدِّرت بحوالي 8 مليارات في الخمس سنوات الأخيرة، لكن بدأت تتقلّص في العامين الماضيين.

وغياب التحويلات من وإلى لبنان، وبالتالي تصنيفه الجديد في المجتمع المالي الدولي، يعني وفق مهنا، أنّ “لبنان أصبح معزولاً مالياً ونقدياً، وساءت سمعته من الناحية الاقتصادية وأصبح في مصافي الدول الفاشلة”. لذلك، “تداعيات توقّف تعامل المصارف المراسِلة خطيرة جداً وكبيرة، وفي حال أوقفت جميع المصارف المراسِلة التعامل مع المركزي والمصارف، سيؤدي ذلك إلى انهيار أسرع للمصارف، واحتمال التوقّف الكامل ليس ببعيد، فنحن نقترب أكثر فأكثر من هذه الخطوة”، يقول مهنا.

وعن تأمين التمويل الذي يعتمد عليه لبنان، يفيد مهنا أنّ لبنان لن يستطيع تأمين التمويل من الدائنين الخارجيين والمحليين والدول المانِحة، والعودة إلى الأسواق المالية العالمية ستكون مكلِفة جداً، إذ لن يتمكّن من الاستدانة من الأسواق العالمية، في وقتٍ يعتمد على اقتصاد ريعي. لذلك، كلّ ما تقدّم، يغيّر من وجه اقتصاد لبنان.

ضخّ المصارف للدولارات في لبنان واجب وطني وأخلاقي

وفي الخطوات اللازمة والممكنة لإعادة ترميم ثقة المصارف المراِسلة بلبنان، برأي مهنا أنّه يجب إعادة هيكلة كلّ القطاع المصرفي. فخطأ المصارف أنّها ديّنت أكثر من 70% من استثماراتها لدائن واحد، وهو الدولة اللبنانية، سعياً لتسجيل أرباح سهلة. ولترميم الثقة بها، ينصح مهنا بتغيير لجنة الرقابة على المصارف وتغيير مجالس إدارات المصارف وتعيين الكفوئين، فجميع اللجان فيها لم تعمل كما يجب لغياب الحوكمة السليمة وبالتالي تغيب عنها المحاسبة. ويضيف أنّ “عليها أيضاً بيع أصول واستثمارات لها في الخارج لتضخّ الدولارات في لبنان وهذه الخطوة هي واجب وطني وأخلاقي تعويضاً عن الأخطاء التي اقترفتها، لكن يحتاج الأمر إلى سنوات طويلة لاستعادة الثقة بالنظام المصرفي اللبناني”.

وقالت وكالة “موديز” في مذكرة لها أنّ “التعدي على الاحتياطات الإلزامية للبنوك في ظل استمرار مأزق الحكومة، سيزيد من المخاطر على البنوك، ما يعرّض للخطر ما تبقى للبنان من علاقات مراسَلة مصرفية، ويقوِّض بدرجة أكبر توافر خدمات المدفوعات العابرة للحدود من أجل التحويلات والتجارة والسياحة، وهي من الدعائم الرئيسية للاقتصاد”.

وأضافت أن “فقدان علاقات المراسلة المصرفية بشكل دائم سيزيد من اعتماد لبنان على التمويل الخارجي الرسمي، إذ ستظل المدفوعات العابرة للحدود وخدمات المقاصة في حالة من الشلل حتى بعد إعادة هيكلة شاملة للديون، ما سيثبط أي تعاف محتمل. وأشارت إلى أن احتياطات لبنان المتاحة للاستخدام انخفضت إلى مليار دولار بنهاية شباط، وذلك استناداً إلى بيانات من البنك المركزي وهافر أناليتكس”.

Ads Here




مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

Translate »